بحيرة ڤيل و الروح خارج الجسد

قرية ڤيل شمال المانيا.
19/10/2009
حينها الموقف كان يتطلب وجود الحبيبة بجانبي على ذلك المقعد الخشبي. نتبادل الغزل و عبارات العشق. نظرات الإعجاب و مشاعر بسيطة في حقيقة مضمونها الجنوني، حب طفولي بعيد عن الجسد البشري.
الكثيرون يقولون إنني رومانسي بطبعي، شاعري مرهف، بعيد عن الواقعية، أما الذي حدث غير النظرة و عكس الاتهامات البشرية هذه. هكذا بدأت قصة ممارسة الحب بيني و بين البحيرة.
ليست قصة قصيرة، هي إنسانية الوجود ذاته والخروج من الجسد الهرم الثقيل، وحديث دار بين الروح و البحيرة دون تحرير النص ليبقى روحيا بسيطا كما كتب حينها.
كان ذلك في قرية ڤيل شمال المانيا. الحادية عشر ليلا، ظلام دامس، فجأة توقفت السيارة:
 
http://www.youtube.com/watch?v=99NELQgopIs
 
– أسف سنتوقف هنا، لان السيارة لا تعبر.
– طيب اوك.
وصلت المنزل المطلوب.
– مرحبا.
– أهلا، كيف الحال.
– هذه غرفتك.
غرفة جميلة بسيطة، باردة بعض الشيء.
 
السابعة صباحا، خرجت امشي كي أرى المنزل من الخارج، في غاية الجمال و البساطة مثل أفلام الكرتون. مشيت قليلا بين الشجر المحيط به لأتعرف على المحيط الطبيعي، فقد كان مبني على تله و بجانبه بحيرة من أجمل ما رأيت، حينها مباشرة خرجت روحي راكضة إلى هناك. جلست، لم أفكر، لم أتحرك، فقط أنا و هي، دون حركشات البشرية العنيفة، دون سيارات و زمامير، دون صراخ الأم على ابنها، و الزوج على زوجته، دون أي شيء، البحيرة و روحي.
 
لا أبالغ بأية كلمة اكتبها لكم، بل اقلل من دقة و روعة المشهد الإنساني في ذاته القريبة البعيدة. كان المقعد الخشبي ينتظر، محاطا بغابة صغيرة في غاية الإبداع تكونت. تمنيت أن أكون مع حبيبتي الثائرة هناك، نجلس متقاربين، امسك بيدها، تشد على يدي بأصابعها النحيلة، نضم بعضنا، و الريح رومانسية قارصة، لكني كنت وحيدا هناك خارج الدائرة البشرية.
 
لحظات و اختفى الجسد، هناك على المقعد الخشبي جلست روحي، تتحرك بخفة و رشاقة مع حركة الرياح الشرقية، مداعبة البحيرة.
 
فجأة سمعت (روحي سمعت) تمتمات غير مفهومة. نظرت و لم أرى أحدا غير الشجر. استمرت التمتمات، تزداد تارة و تخف تارة. صوت ضحكات و دلع، نظرت إلى السماء كي أرى الغيوم فقط سامحة لضوء الشمس أن يشق طريقه إلى البحيرة دون تصريح بشري بالعبور ليعكس ضوئه المصفر على سطح البحيرة بشفافية.
التمتمات أوضح الآن، ليست اللغة الألمانية، و لا الفرنسية، لغة غريبة! بل لغتنا نحن البشر كانت هي الغريبة في نهاية المطاف.
 
هبت ريح خفيفة باردة، حرك هبوبها الغيوم. الشجيرات تتمايل راقصة على الحان الريح، الإوز و البط يدغدغ بريشه ماء البحيرة، صمت شد روحي من جسدي مثل البرق، خرجت، حلقت، ارتفعت، عموديا فوق البحيرة. يا الله، هنا الجنة.
 
سالت مستأذنا البحيرة:
– هل أستطيع أن أعود و احضر قلمي و ورقة؟
– لا.
– لماذا؟ أريد أن اكتب ما شاهدته قبل أن انسي!
– لا لا، لأنك في حضرة الطبيعة الآن، و ممنوع اصطحاب أدوات البشر هنا.
– لكن أنا بشري؟!
– أنت الروح دون جسد البشرية.
 
نظرت حينها على جسدي، رأيت نفسي في جسدي، وجسدي يحمل نفسي. الرجل ُجن جنونه، لم اكترث، فقط أردت البقاء هناك، احلم إن كان حلما، و أن أبقى إن كان حقيقة.
 
عاد الصمت مجددا. فقط الريح و الشجيرات و ضوء الشمس الخريفي و الغيوم، أي روحي و البحيرة.
عادت الضحكات و التمتمات مجددا، هذه المرة فهمت بعضا منها، غريب، فلم أتعلم هذه اللغة. كان هو الاتصال الروحي بيني و بين البحيرة.
 
– أنت هناك؟
– أنا؟
– من أنتِ؟
ضحكت الشجيرات و الريح و الطيور!
– هل سؤالي غبي دون معنى؟ لماذا تضحكون؟
– لأنه لا يوجد أحد لا يعرف من هي البحيرة!
– أنا لا اعلم.
– لأنك ببساطة كنت الروح داخل الجسد و العقل البشري العفن.
–  يعني؟
 – يعني أنك بشر دون روح، و كلمة إنسانية اسم ليس على مسمى.
– و الآن، أنا ماذا إذا؟
– أنت الروح، و الروح أنت.
 
كانت لغة غريبة ثقيلة معقدة، لغز؟ افهم في الفلسفة و تعقيدات اللغة، التلاعب بالمفردات، منطق العقل، الدين و الايديولوجيا الحقيرة، أما هذا فهو جنون رسمي.
– على كل فرصة سعيد يا سيدة بحيرة.
 
– آنسة بحيرة ولست سيدة، أنا غير مرتبطة.
 
– و أنا غير مرتبط و أقدس الحياة الزوجية – هذه عبارة سرقتها من صديقي العزيز الذي كان يستخدمها كلما التقى بصبية حلوة.
بدأت فترة الأسئلة و الأجوبة، الجو بيننا أخذ يستقر، تفاهم و طمأنينة، ثم لعبة الصراحة و الحقيقة، ثم أسئلة حميمية حول الحب و العلاقات الرومانسية، تحولٌ إلى إعجاب…
– الصراحة يا روح، أن كثيرين جاؤوا هنا، لكن لم نتحدث معهم، بل كنا نخيفهم و نشعرهم بالجنون و يهربون كي نحافظ على بقائنا و نظافتنا من عالم البشرية، أما أنت مجنون من دار إلي خلفك، أردنا أن نرجع لك عقلك.
 
– يا سلام على الغزل، بداية رومانسية من الدرجة الساخنة.
 
ضحكت البحيرة، و عاد الصمت مجددا. هدوء عميق داخل الروح، فقط كانت الريح تلاعبنا.
 
فجأة أمسكت البحيرة بيدي، اقتربت أكثر و أكثر، لمستني. احمررت خجلا، دقات قلبي تتزايد بسرعة، اقتراب أكثر، الوضع خرج عن السيطرة، فجأة خرج صوت مزعج، مقرف، مرعب، بشري، كان صوت طائرة صغيرة. هربت الريح و الشجيرات، توقف الماء عن الحركة، نظرت حولي و لم أرى البحيرة! هربت. لقد دخل البشر و دخلت روحي إلى الجسد، فأنا الآن بشري، و هنا ممنوع دخول البشر.
 
انتهت القصة التي لم ُتلد، و السبب أن البشر قتلها كما قتل مئات الأشجار و الغابات، أغرق البحيرات، أجرم في الطيور، غير لون الريح، سمم النباتات، دمر القشرة الأرضية، شوه وجه القمر، غير درجة حرارة الأرض، أفسد معنى الصداقة، صنع الحدود الجغرافية، و بالنهاية فهو من سيقضي على نفسه بنفسه.
 
لا تنتظروا أن أقول إنني استيقظت من حلمي، بل كنت في عالم الحقيقة و عدت الآن إلى الوهم والخيال و عالم الخديعة و التلاعب بالعقول، كي أتحدث عن قصة بحيرة ڤيل والروح خارج الجسد.
سائد كرزون

3 رأي حول “بحيرة ڤيل و الروح خارج الجسد

اترك رداً على saedkarzoun إلغاء الرد